◄الجفاف الروحي يعني حالات الركود والضمور والخمول والكسل التي تُصيب الروح؛ ولكن السؤال هو كيف نكتشف هذه الحالة؟ وهل نحس به كما نحس بالجوع والعطش والألم؟
المثال الأوّل – الصلاة: فحينما نُصلِّي، هل نعيش حالة الخشوع في أجوائها؟
إذا كان الجواب (نعم)، فنحن نعيش حالة (الصحوة الروحية). وإذا كان الجواب (لا)، فنحن نعيش حالة (الكسل الروحي). والقرآن يُحدِّثنا عن نمطين من المُصلِّين:
1- الكسالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا) (النساء/ 142).
2- الخاشعون: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) (المؤمنون/ 1-2).
المثال الثاني – الدُّعاء: فحينما نمارس الدُّعاء قراءةً واستماعاً:
- هل يرقُّ القلب وتدمع العين؟ هل نعيش الخشية والخوف والطمع؟ فالله سبحانه يقول: (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا) (السجدة/ 16).
إذا كان الجواب (نعم)، فنحن نعيش حالة (الصحوة الروحية). وإذا كان الجواب (لا)، فنحن نعيش حالة (الخمول الروحي).
المثال الثالث – تلاوة القرآن: فحينما نتعاطى مع القرآن تلاوةً واستماعاً:
- هل نحسُّ باللذّة والنشوة الروحية؟ هل تتفتح أرواحنا على الله؟ هل نعيش الوجل الروحي؟ فالله عزّ اسمه يقول: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) (الأنفال/ 2)، وهل نعيش الخشية والرهبة أثناء الدعاء؟
- إذا كان الجواب (نعم)، فنحن نعيش حالة (النشاط الروحي). وإذا كان الجواب (لا)، فنحن نعيش حالة (الكسل الروحي).
المثال الرابع – الطاعة والمعصية:
- هل نحب الطاعة ونكره المعصية؟ هل نفرح بفعل الطاعة، ونحزن لفعل المعصية؟ هل نحسُّ باللذّة في فعل الطاعة، والألم في فعل المعصية؟ هل نخجل من الله حينما نمارس المعصية؟
- إذا كان الجواب (نعم)، فنحن نعيش (الصحوة الروحية). وإذا كان الجواب (لا)، فنحن نعيش (الجفاف الروحي).
المثال الخامس – أخلاقنا مع الناس:
- حينما نبتسم للناس، هل تبتسم قلوبنا؟ حينما نصافح الناس، هل تصافحهم أرواحنا؟ هل عواطفنا مع الناس عواطف ربّانية؟ هل نعيش الشفّافية في علاقاتنا مع الناس؟
- إذا كان الجواب (نعم)، فنحن نعيش (الصحوة الروحية). وإذا كان الجواب (لا)، فنحن نعيش (الجفاف الروحي)، والأمثلة والدلالات كثيرة في هذا المجال.
- أسباب الجفاف الروحي:
معرفة الأسباب تفيدنا في التوقّي منها لإزالة الجفاف وآثاره، ومن بين الأسباب:
1- تلوُّث القلب: فالقلب المُمتلئ بالحقد والكراهية والغش والنفاق ونيّة السُّوء، يكون مغلقاً على أسباب الهداية والموعظة والتفاعل الإيجابي مع ما حوله، الأمر الذي يؤدّي إلى الجفاف الروحي (كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (المطففين/ 14).
2- المعاصي: فمن آثارها إصابة الإنسان بنكسة روحية، بمعنى أنه يتخلّى فجأة أو تدريجياً عن حالة الإقبال على الله والعبادة والإنشداد للخير والعمل الصالح. فعن النبي الأكرم محمد (ص): "إذا أذنب العبد نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا تاب صقل منها، فإن عادت زادت حتى تعظم في قلبه". وعن أمير المؤمنين علي (ع): "مَن أكل الحرام اسودَّ قلبُه، وضعفت نفسُه، وقلَّت عبادتُه". وعنه (ع): "ما جفَّت الدموع إلّا لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلّا لكثرة الذنوب".
ومن التوفيقات الربّانية أن يحظى الإنسان بشرف اللقاء مع الله تعالى في جوف الليل: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (السجدة/ 16-17)؛ ولكن الإنسان يُحرم منها بمعصية. جاء رجل إلى أمير المؤمنين (ع)، فقال: إنِّي حُرمت قيام الليل. فأجابه أمير المؤمنين: "أنت رجل قد قيَّدَتك ذنوبُك".
3- الإسراف في الأكل والشرب وفي الملذّات: فقد ورد في الحديث النبوي: "لا تُميتوا قلوبكم بكثرة الطعام والشراب، فإنّ القلوب تموت كالزرع إذا كثر عليه الماء".
4- الغفلة عن ذكر الله باللسان والقلب وفي المواقع التي تعرض الملذّات نفسها في الحرام، ولربما يذكر الإنسان ربّه باللسان وينساه في القلب، ولربّما يذكره بلسانه؛ ولكن يكذب أو يغتاب أو يبهت أو يسعى بالنميمة، أو يؤذي الناس بلسانه وفعله.. ولربّما يذكر الله بلسانه؛ ولكن يعادي أولياء الله في الفعل والقول والموقف، ولا يغضب لله، ولا يحب في الله... إلخ، وفي ذلك يقول سبحانه: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (طه/ 124).
ولعلاج الجفاف الروحي نحتاج إلى التخلص من أسباب الجفاف الروحي وممارسة الشحن الروحي المستمر من خلال الاهتمام بالفرائض والنوافل والدُّعاء وتلاوة القرآن وأمثالها، ثمّ الحفاظ على الوهج الروحي من خلال المراقبة وزيادة الجرعات من حين لآخر ومحاسبة النفس وتوجيهها. ►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق